يرجع سماحة الخطيب الشيخ عبد الرضا معاش، في النسب إلى أسرة آل معاش، وهي من الأسر العريقة التي قطنت مدينة كربلاء المقدسة منذ عهد بعيد، وقد عرف رجالها وأبرزهم...
يرجع سماحة الخطيب الشيخ عبد الرضا معاش، في النسب إلى أسرة آل معاش، وهي من الأسر العريقة التي قطنت مدينة كربلاء المقدسة منذ عهد بعيد، وقد عرف رجالها وأبرزهم عميد الأسرة المرحوم الحاج محمد صالح معاش، بالصلاح والتقوى والورع، وإدارة مشاريع الخير وأعمال البر ومساعدة المحتاجين والفقراء، ومباشرة الخدمات الاجتماعية المتنوعة، كما عرفوا بملازمتهم العلماء ومجالسهم العلمية والتربوية.
وقد برزت هذه الخصيصة جلية في والد المترجَم الحاج عبد الرزاق معاش، الذي تشرف منذ أيام شبابه بملازمة وخدمة اية الله العظمى المرجع المقدس آغا حسين القمي(رضوان الله عليه) والمرجع الديني الكبير اية الله العظمى ميرزا مهدي الشيرازي(قدس سره)، ونجله صاحب موسوعة الفقه الشهيرة وغيرها من المؤلفات الإسلامية الكثيرة التي تربو على الألف كتابا، المرجع السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله).
وقعت ولادته في الأول من شهر رجب المرجب سنة 1389هـ في مدينة كربلاء المقدسة، موافقا لذكرى ميلاد الإمام محمد الباقر(عليه السلام)، وسبب تسميته بـ(عبد الرضا) يعود لنذر نذرته والدته عند تشرفها بزيارة الإمام الرضا(عليه السلام).
بعد تسعة أعوام من عمره عاشها في ظلال كربلاء، مدينة الحسين(عليه السلام)، انتقل مع أبويه وإخوته إلى(عش آل محمد) وهي مدينة قم المقدسة في إيران، فامتزجت هاتان التربتان المقدستان في روحه وسرَيَتا في دمه فكانتا سببا في توجهه نحو ساحل الخدمة الحسينية المباركة واتخاذها سبيلا للنجاح وسفينة للنجاة.
فعند بلوغه الثالثة عشرة من العمر دخل أولا معهد التعاليم الإسلامية، ومن ثم وبإشارة قام بها والده ذات يوم وهو يتحدث إلى احد العلماء ، قائلا: أريد أن يصبح ولدي هذا - يعنينه- رجل دين .. قالها بين الجد والمزح ، فكانت فيما قدر الله بعد ذاك حقيقة، أخذت تتجلى واضحة منذ التحاقه بالحوزة العلمية المباركة، كانت بدايته بدراسة كتاب الاشتقاق عند سماحة الحجة الشيخ القحطاني ، ليتوالى التحصيل العلمي بعدئذ من درس لآخر دون تقيد بنظام مدرسي معين شأن الدراسة الحوزوية الحرة، استلهاما من الإشعاعات القدسية التي يبعثها الضريح المطهر لمعصومة قم (عليها السلام) وبركة دعاء الوالدين.
ومما قرأ، كتاب شرح الملا محسن في اللغة العربية على سماحة العلامة الشيخ السند في الحرم المشرف وكتاب الصمدية على سماحة العلامة السيد العلوي في المدرسة الرضوية. وهكذا واصل الليل بالنهار في طلب العلم متنقلا بين مدارس الحوزة العلمية الشريفة من المدرسة من مدرسة جابر بن حيان الكوفي إلى مدرسة الإمام المهدي ، إلى مدرسة الرسول الأعظم ، وتتلمذ في علم الفقه على سماحة آية الله السيد محمد رضا الشيرازي وسماحة آية الله الشيخ الوجداني. وفي علم الأصول على سماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي وآية الله الشيخ البامياني وسماحة آية الله الشيخ الاعتماد.
وحضر البحث الخارج للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني ( دام ظله الوارف ) واية الله العظمى السيد صادق الشيرازي ( دام ظله الوارف ) حتى رحيله إلى الاستقرارفي لبنان ، منصرفا إلى مهمة التبليغ والإرشاد الديني، ومنها بعد بضع سنوات استقر به المقام بدمشق، متشرفا بجوار بطلة كربلاء العقيلة زينب(عليها السلام)، ومعاودا دروس البحث الخارج، مع مواصلة الخدمة الحسينية من خلال بعض الأنشطة الثقافية وارتقاء منبر الخطابة في المناسبات الدينية ومواسم عاشوراء وغيرها ، أمله في ذلك كله الفوز برضا سيدنا ومولانا بقية الله الأعظم الإمام الحجة بن الحسن المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف).
لدى بلوغه المرحلة العلمية المسماة (السطوح) أشار بعض أساتذته عليه وعدد من زملائه بضرورة التصدي لمهام الدعوة والتبليغ الرسالي عن طريق الخطابة الحسينية، ولم يكن أمامه غير العمل بهذه المشورة المخلصة، فاقترح المترجم على أستاذه سماحة العلامة الشيخ علي حيدر المؤيد- حفظه الله - أن يتولى بنفسه الإشراف على تدريسه وزملائه الخطابة، فاستجاب الرجل مشكورا لاقتراحه وشرعوا فعلا بالدرس مشكلين حلقة ضمت إلى جانبه كثيرا من خطباء اليوم أمثال: سماحة الشيخ ناصر الحائري ، وسماحة الشيخ صفاء الخطيب ، وسماحة الشيخ عبد الرحمن الحائري ، وسماحة الشيخ عبد الحسن الأسدي ، وسماحة الشيخ فلاح العطار ، وسماحة الشيخ محمد حسن الريحاني ، وآخرين.
ولقد كانت هذه الدورة نواة لدورات عديدة أعقبتها في السنوات اللاحقة، ولكن الأهم من ذلك مما تميزت به ،هو ذلك الدور الكبير الذي لعبه الأستاذ سماحة العلامة المؤيد ، إذ كان لتلاميذه الأستاذ الواعي والأب العطوف والأخ المخلص والصديق الحميم سواءاً بسواء ، ولم يدخر وسعا في توجيههم وإرشادهم، فضلا عن التعليم والتشجيع على المثابرة والاجتهاد، وكان لشفافيته في التعامل وصدقه في أداء الرسالة، تأثير ملموس في النجاح الذي حققه جميع تلامذته فيما بعد ، متبعا في ذلك سيرة أستاذه الخطيب الشهير الشيخ عبد الزهراء الكعبي (رحمه الله).
وكانت لخطيبنا المترجم بعض المشاوير الى طهران حيث حظي بأهتمام بالغ ، وتوجيه مركز ، وعناية فائقة من صاحب النبرة الشجية الخطيب الكبير العلامة الشيخ مرتضى الشاهرودي ، ليستفيد من تجربته الغنية في المنبر الحسيني .
إذن فقد كانت بداية خطيبنا من الصفر- كما يقال- ولم تكن الخطابة يوما قد طرأت علىباله مطلقا، إلا أن جاذبية العشق الحسيني المقدس والانشداد إلى كربلاء وما تمثله من مبادئ وقيم انتصار الكلمة الحرة المكتوبة بالدم على سيف الباطل، وما تفتحه الخدمة المباركة لسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) من آفاق واسعة، كل ذلك دفعه وبقوة للتشرف بالخطو ولو خطوة واحدة في رحلة رائدها ذلك العشق الأقدس.
وفي البدء كانت الكلمة (صلى الله عليك يا رسول الله) والتي يقرأها الخطباء عادةً في بداية المنبر ، وبعد ستة أشهر دعاه سماحة الشيخ الأستاذ لقراءة عشرة أيام في مسجد الإمام الحسين(عليه السلام) الذي تم بناؤه وتشييده بجهوده الخيرة في مدينة قم المقدسة.. تردد في القبول بداية، لما لهذا المجلس من أهمية تنبيك عنها هيبة الحضور المتميز من العلماء والمثقفين عالي المستوى، ولكن إصرار الأستاذ وتشجيعه أخذا بيده ليقدم واثقا على اقتحام العقبة فكانت الانطلاقة الأولى إلى النجاح والاستمرار حتى الآن. بعد مجالس متعددة في كثير من المناطق المختلفة تشرف بقراءتها، جعل خطيبنا يشد الرحال متوجها صوب سوريا ولبنان، مع كل حلول لشهر محرم الحرام, ومن المناطق اللبنانية التي قرأ فيها:
البقاع وبلدة رياق والجنوب وقضاء صور وبلدة يا نوح, وكان إلى وقت غير يسير، منتعشا بالأجواء الروحانية الرائعة التي تسود هذه النواحي الموالية برمتها لأهل البيت(عليهم السلام), فاسمعه يقول: (لا أنسى - ما حييت- تلك المناظر الولائية في بلدة يانوح - قضاء صور، و تلك الشعائر الحسينية التي كانت تغلف تلك الأرجاء بالكامل أيام المحرم الحرام، فترى السواد وملابس الحداد ومجالس اللطم ومواكب الضرب بالسلاسل والسيوف ومراسم الشبيه التي تجسد أحداث واقعة الطف وكأنها حدثت الساعة, والصراخات المتعالية من كل حدب وصوب: وا إماماه وا سيداه وا حسيناه يضيف سماحته ، من المواقف التي تخلدت في ذاكرته:
هو المجلس الذي أقيم في المدينة المنورة من عام 1424 هجرية ، حينما كان متشرفا لزيارة قبر رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) والصديقة الكبرى فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) والائمة المعصومين ( عليهم السلام ) حيث لبى دعوة اهالى المدينة المنورة الكرام ، فقد اقيم المجلس الحسيني خلف مسجد قبا في تلك الحسينية العامرة وبرعاية العلامة الشيخ العمري ، وكان المجلس مزدحما ، ويقول سماحته :
لاانسى تلك الوجوه السمراء ، المعبرة عن الولاء العميق لاهل بيت رسول الله ، وتلك النفوس الطيبة ، والاجواء الايمانية الرائعة ، وصرخات البكاء واللوعة ، واهات الاطفال والشباب والشيوخ ، عند ذكري مصيبة السيدة الزهراء عليها السلام ، فأحسستُ بروحانية رهيبة ، وسمو من عالم الذات الى عالم المعنى . ).
ومن لبنان وسوريا انطلقت رحلته إلى الكويت وقطر والإمارات وعمان وبلدان أخرى نشرا لفكر وعلوم وأخلاق أهل بيت الرسالة الأطهار(صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
شاء الله عز وجل أن يجعل من وليه الإمام الحسين(عليه السلام) منطلقا للبشرية جمعاء, وقبلة يتوجه إليها أنصار الحق وعشاق الحقيقة أينما كانوا في هذا العالم الكبير, وأن تكون مجالس العزاء الحسيني هي الدعامة الحقيقة التي يرتكز عليها الإسلام الحنيف. من هنا فإن سماحة الشيخ عبد الرضا معاش يعتقد بأن واجب المحافظة عليها وتنميتها وتطويرها بما يلائم روح العصر ومتطلباته، إنما هو مسؤولية ورسالة جميع المسلمين التي يجب أن يتحملوا السهر والتعب والكدّ من أجلها فإن بذلك الحفاظ على الإسلام بكلّه بقاءا واستمرارا.
واختتم الحديث بقول الكاتب المسيحي انطوان بارا عن الامام الحسين عليه السلام :
لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يحفظ هذا الدين الوليد فأرسل الحسين إلى جده بقماشة شهيد دون الأنبياء، فكان المنعطف كربلاء فلو لم يقم الحسين (عليه السلام) بثورته لما تبقى شيء من التوحيد أساساً، ولأصبح الدين الإسلامي الجديد مرتبطاً بممارسات السلاطين الذين على المجتمع القبول بهم والرضوخ لجورهم واضطهادهم مهما حدث باعتبارهم (ولاة للأمر).
وإني أعتقد بأن الحسين (عليه السلام) كان مسيراً في هذا الاتجاه لأن له وظيفة إلهية محددة، كما للأنبياء وظائف إلهية محددة. ولكن مع الأسف.. فإنه على الرغم من أن الحسين (عليه السلام) شخصية مقدسة عندكم أنتم الشيعة والمسلمين، إلا أنكم لم تعرفوا قدره وأهملتم تراثه وثورته، إذ الواجب عليكم أن تعرفوا كيف تنصروا هذا الإمام العظيم اليوم من خلال قول الحق ونصرة المظلوم وإصلاح المجتمع وتحقيق العدالة والحرية، والمفترض أن تكون لديكم أمانة تامة بتوصيل صيحته يوم عاشوراء إلى العالم، وهذه الأمانة تستدعي التعمق بأركان وروحية حركته الثورية وعدم الاكتفاء بالسردية والمظهر الخارجي للواقعة.